مقالات

الطرق المختلفة والمتعددة التي تكون غايتها هي حماية حسابات الإنترنت المتعلقة في الحاسب الآلي وحماية الملفات من التسلل أو التدخل والتطفل من

كيف نجعل أطفالنا أكثر أمانًا رقميًّا؟

صرنا، على نحو مضطرد، نقضي وقتًا أطول من المعتاد على شبكة الإنترنت، بغية الحصول على فرصٍ قيِّمة للتعلُّم واللَّعب والتواصل، نتيجة لما فرضته جائحة (كوفيد 19) على المجتمعات من حولنا.

ومع اختلاف الفئات العمرية المتصّلة بشبكة الإنترنت، تعدّ فئة الأطفال، التي يستخدم أكثر من ثلثها الإنترنت بانتظام، من أكثر الفئات تعرضًا للخطر وذلك لكونها تُمضِي وقتًا أطول أمام الشاشة نتيجة كثرة أوقات الفراغ لديها ومن السهل أن يدفعهم الفضول والحماس لمعرفة دهاليز هذه الشبكة، مما يجعلهم يواجهون مستوًى أكبر من الخطر، بدءًا من التنمر الإلكتروني، والابتزاز الجنسي، إلى الهجمات الخبيثة التي تستغل عدم درايتهم بالمسائل التقنية، وليس انتهاءً باحتمالية تعرُّضهم لمحتوى ضار؛ كالتحريض على الانتحار، أو إيذاء النفس، أو المحتويات التي تحرّض على كراهية الآخر وهو ما يفرض أهمية تثقيف ورفع منسوب الوعي لدى الأطفال حول مخاطر التصفحّ الرقميّ، وإعدادهم للأمر، وتزويدهم بالمعرفة اللازمة لحماية أنفسهم، والحدّ من خطر التواجد الرقمي المستمر على الإنترنت.

 

برّ الأمان عبر الإنترنت

"اعطه الجوال يسكت". لا تُنكر السيدة سماح (35 عامًا) أنها كانت تعمل وفقًا ل تلك المقولة بهدف إسكات طفلها اللحوح ذو الأعوام التسعة، والذي لا يكف عن المطالبة بأخذ الهاتف المحمول الموصول بالإنترنت، فتضطر للرضوخ له حتى تتمكن من إنجاز أعمالها.

في هذه الأيام، دُفعت أسرة السيدة سماح نحو الاعتماد بشكلٍ أكبر على التقنيات والحلول الرقمية لمواصلة تعليم أبنائهم، وكذلك لترفيههم؛ حيث تأثّر أكثر من 1.5 مليار طفلٍ ويافعٍ بإغلاق المدارس في جميع أنحاء العالم، وازدادت أسباب انخراط العديد من هؤلاء الطلاب في دروسٍ إلى جانب الأنشطة الاجتماعية عبر شبكة الإنترنت، كما تؤكد منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف). 

تقول السيدة سماح لنا بأنها تدرك أن أطفالها لا يملكون المعرفة والمهارات والموارد الضرورية للمحافظة على أمنهم على شبكة الإنترنت في وجه الاعتداء والتنمر والابتزاز. 

وتضيف: "وجدت أن ابني بعد نحو شهر من الحجر المنزلي قد تعلق بشكل كبير بمحتوى إنترنت غير مناسب لسِنه، وقد وصلت الأمور إلى حدَّ أنه قد تحدَّث عن أمور تتعلق بالجنس بما لا يتناسب وجيله، فاعترتني صدمة كبيرة".

عجلت سماح إلى البحث عن حلول لضمان الأمان عبر الإنترنت لأبنائها الأربعة، خاصة أصغرهم، فانكبّت مع زوجها على الكتب ومواقع الإنترنت بحثًا عن أدوات الأمان الرقميّ، فاطّلعا على دليل الأُسر لحماية الأطفال من مخاطر الإنترنت، كما استشارا مختصًّا لكي يصلا إلى أنسب هذه الأدوات. وهي اليوم تشعر بالامتنان لأنّ طفلها الذي عُرف بإصراره على استخدام الإنترنت وقتما يشاء، قد انضبط لحدٍّ كبيرٍ بوقت ومحتوًى مناسب لعمره، ونموه العقلي والنفسي.

 

تجربة أكثر أمنًا

يعتقد مدرب الأمان الرقمي طارق البزور، أن من أخطر المشاكل التي تتعلق بالأمان الرقمي للأطفال تكمن في مشاهدتهم لكل شيء، وتعرضهم لأيّ محتوى، وإمكانية قيامهم بتجريب كل ما يرونه على الإنترنت؛ لأن الفئات العمرية الصغيرة لا تستطيع التمييز بين ما هو حقيقيّ وما هو وهميّ، بدليل ما نشهده مرارًا من وقوع الأطفال ضحايا تجريب تحديات، أو تقليد تجارب يعرضها صناع المحتوى على الإنترنت.

في ضوء قول البزور، تعدّ الأسرة الركن الأساسي ل حماية الأطفال على شبكة الإنترنت؛ إذ يمكنها استخدام التكنولوجيا لحمايتهم، بما في ذلك الاعتماد على أدوات مثل: الرقابة الأبوية، أو البحث الآمن، إضافة إلى دورها في دفع الأطفال نحو مشاهدة محتوى يلائم أعمارهم عبر توفير تطبيقات تشجع مهاراتهم وأفكارهم ومواهبهم. ويقول البزور بأنّ هناك أهمية قصوى للتحدث إلى الطفل حول الأمان عبر الإنترنت، وتعريفه بالمعلومات الخاطئة والمحتوى غير المناسب لعمره وتجنُّبه، بالتزامن مع تعريفه بالقيم الاجتماعية الإيجابية والاحترام والتعاطف، وتشجيعه على الالتزام بها.

لدى البزور المزيد من النصائح حول الأمان الرقميّ للطفل، حيث يقول إن لإدارة الوقت الذي يقضيه الأطفال على الإنترنت أهميةً قصوى؛ لأن جزءًا أساسيًّا من تعرض الأطفال للتسلط وانتهاك الخصوصية ناجمٌ عن السماح لهم باستخدام الإنترنت في كل مكان، والحديث مع أي شخص في أي وقت، ويمكن للأبوين التحكم في وقت أطفالهم على الإنترنت عبر الاتفاق معهم على وقت محدد لاستخدامهم له، أو استخدام تطبيقات تفعّل امتياز تحديد الوقت.

ونتيجة لما سبق، يوصي مدرب الأمان الرقمي بحثِّ الأطفال على استخدام التطبيقات الإيجابية المفيدة، حيث أضحت هناك بدائل لمواقع التواصل الاجتماعي وتطبيقات ذات محتوى مخصص للأطفال تقوم بـ “فلترة" كل محتوى غير مناسب لهم؛ مثل (YouTube Kids)، وكذلك الالتزام بإرشادات ميزة تحديد الفئة العمرية في التطبيقات ومتاجر الألعاب مثل google play أو Apple storeر، اذ سيمكِّن الأهل من منع عملية كشف اطفالهم على ألعاب أو تطبيقات ذات محتوى لا يتلاءم وعمرهم. 

الأطفال هم الحلقة الأضعف

يعد الأطفال الحلقة الأضعف من بين مستخدمي شبكة الإنترنت نتيجة عدم إلمامهم بمحتواه، وعدم قدرتهم، الفكرية والتقنية، على التعامل مع شبكة غير آمنة مليئة بالمحتوى والمستخدمين على مختلف نواياهم، وهذا ما يجعلهم عرضة للعديد من الأضرار.

 

ونتيجة لأنشطة الأطفال على شبكة الإنترنت، واحتمالية تعرضهم للتنمر الإلكتروني، والاستغلال الجنسي، وغير ذلك مما يُعرّض الطفل لحالات من الكرب، تعتقد المستشارة النفسية وفاء أبو موسى أن مخاطر الإنترنت آنفة الذكر قد تجعل الطفل ذو تطرف فكري أو يتبع أنماطًا سلوكية غير مرحب بها اجتماعيًّا، أو يعاني من الانطوائية أو العدائية للآخرين، كما أن ترك الطفل لأوقات مفتوحة، وأمام كل ما يمكن أن يُعرض على الإنترنت قد يتسبب في تشوهات نفسية لديه، وفي خلق تناقضٍ أفكاره ومشاعره. تعدّ الكثير من الألعاب الإلكترونية التي لا تليق بعمر الطفل الزمني أو نموه العقلي أو النفسي، على سبيل المثال وهي التي يقضي الطفل ساعات طويلة في اللعب بها، ذات تأثير سلبي كبير. إذ يصب الطفل كل تركيزه، فيها، على الربح، وتسيطر فكرة اللعبة على تفكيره، وتكسبه سلوكًا قائمًا على الوهم. وتضيف أبو موسى: "عندما يعود الطفل إلى الواقع يعاني من خيبات الأمل، فهو ليس الرابح دومًا، وقد يدفعه الشعور بالخيبة إلى الانطواء، وقد تصل الأمور إلى اضطرابات في شخصيته في المستقبل".

وترى أبو موسى؛ الحاصلة على دكتوراه في الدعم النفسي للناجين من الكوارث والحروب، بأن الحل الأمثل يتمثّل في اتباع أساليب التربية الإيجابية، ومنح الاهتمام والحب اللا مشروط لأطفالنا، ثم توجيه الطفل ومتابعة نشاطه على الإنترنت، وقضاء وقت معه، بهدف فتح قناة حوار صريح ومباشر؛ هذا يساعد الطفل، من جهة، على فهم القيم الاجتماعية الإيجابية، والاحترام، والتعاطف، والتواصل الجيد، وهو يساعد الأهل، من جهة أخرى، على كشف أية مخاطر قد يتعرّض لها الطفل، والتسلط على الوضع قبل حدوث ضرر كبير.

 

 يعد توفير أمان رقمي للأطفال، باختصار، مسؤوليةً مشتركةً بين جهاتٍ عدّة، أولها الأسرة التي يجب عليها أن تعي وتتعلم عن الأمان الرقمي وأن توفر لأطفالها بيئة رقمية آمنة، كالتحقق من أن الأجهزة الإلكترونية التي يستخدمها الأطفال مزودة بآخر تحديثات البرامج الحاسوبية وبرامج مكافحة الفيروسات، بالإضافة لاستخدام إعدادات الرقابة الوالدية؛ ومن ثم الشروع في حوارات مفتوحة مع الأطفال حول كيفية تواصلهم على شبكة الإنترنت ومع مَنْ يتعين عليهم التواصل؛ والعمل مع الأطفال لوضع قواعد واضحة حول كيفية استخدام الإنترنت ومواعيده وأماكن استخدامه؛

 ثاني هذه الجهات هي الحكومات المطالبة، ككيان، بدعم خدمات حماية الطفل الأساسية لضمان بقائها مفتوحة وفاعلة. وعدا عن ذلك، فإن شركات تقنيات المعلومات غير معفاة من واجب العمل على توفير تدابير محسّنة للأمان والحماية، وضمان أن هذه التدابير متاحة بسهولة للتربويين والوالدين والأطفال. كما يجب أن تعمل هذه الشركات على تطوير سياسات موحّدة لإدارة المنصات الرقمية بحيث تتماشى مع حقوق الطفل.