
نظرة على الخصوصية الرقمية والتقنيات المعززة للخصوصية

يعود النقاش حول قضايا الخصوصية الرقمية إلى الواجهة كلما انتشرت الأخبار حول وجود انتهاكات محتملة للخصوصية من قبل شركات التكنولوجيا. ولعل آخر الأمثلة على ذلك، النقاش الدائر حول تحديثات تطبيق WhatsApp لسياسات الخصوصية الخاصة به. الأرجح أن يستمر هذا النقاش مستقبلاً تبعاً للاستخدام المتزايد للمنصات الرقمية المجانية المقدمة للمستخدمين مقابل جمع، وتحليل، وبيع كل ما أمكن من بيانات ومؤشرات سلوكهم، لأطراف أخرى تهدف إلى توجيه الإعلانات (Google مثلاً) أو حتى لأغراض التأثير على التوجهات السياسية (Cambridge Analytics مثلاً). يتجه عموم المستخدمين، للأسف، إلى إهمال هذه القضايا، ولكن مثل هذه الأخبار تعود لتذكرنا بقضايا الخصوصية. يكمن التحدي في التعامل مع مفهوم إنساني كالخصوصية في سياق رقمي وتقني، في صعوبة إيجاد تعريف واضح وقابل للتطبيق في الأنظمة الإلكترونية.
ترجع الخصوصية، كحق إنساني، بشكل أساسي إلى الحق بان “يترك الإنسان ونفسه”، أي أن للخصوصية جانب قانوني يجب أن يمتد إلى الحيز الرقمي (Eckhoff, 2017). لهذا، تكتفي الشركات بإبراز نصوص فضفاضة لشرح آلية حفاظها على خصوصية المستخدمين دون الاستناد إلى قوانين محددة تبعاً لعدم اكتراث المستخدمين. قد يُنظر إلى الخصوصية بوصفها رفاهية بالنسبة لشعب تحت الاحتلال، إلا أنني اعرض في هذه المقالة مفهوم خصوصية البيانات، وأنواعها، وخصائصها، وتقنياتها. ومن ثم أقوم بمراقبة هذه التقنيات مع واقع الخدمات الإلكترونية الفلسطينية. ما المقصود بالخصوصية تقنياً؟ تعرف الخصوصية الرقمية على أنها حق المستخدمين بالحفاظ على سرية البيانات المتعلقة بهويتهم أو سلوكهم أثناء استخدام الأنظمة، بما لا يتعارض مع قدرة هذه الأنظمة على أداء وظائفها. لنأخذ تصفح الإنترنت كمثال: هل يحتاج مزود الخدمة لمعرفة هوية المواقع التي يتصفحها المستخدم لغرض إصدار الفاتورة الشهرية؟ لا. إنه يحتاج فقط إلى سعة، أو مدة الاستخدام. بالمقابل، قد تتعارض الخصوصية مع وظائف أو حقوق أخرى. فمثلاً، تسهُل الهجمات الإلكترونية ونشر خطاب الكراهية عند استخدام البرامج المتخصصة بحماية الخصوصية، وذلك لصعوبة منع أو تعقب هذه الممارسات ضمن برامج صممت لحماية الخصوصية. تعد البيانات الشخصية التي تُعرِّف عنّا، كالاسم، والعنوان، ورقم الهوية؛ الأساس لحماية الخصوصية. تتوسع هذه البيانات لتشمل أيضاً معلومات أكثر حساسية تتعلق بسلوكنا، وصحتنا، وأفكارنا، ومعتقداتنا، وعاداتنا الشرائية، وحالتنا المادية. لقد صنّف الباحثون المعلومات المرتبطة بالخصوصية إلى خمسة أنواع (Eckhoff, 2017) (Heurix, 2015). أولاً، خصوصية الحالة الجسدية والعقلية التي تشمل الخصائص الجسدية للإنسان كالبصمات والقياسات الحيوية، والحالة الصحية والجينوم بالإضافة للمشاعر والآراء والأفكار. قد يؤدي انتهاك هذه الخصوصية إلى التمييز في فرص الحصول على عمل بناءً على الآراء مثلاً، أو التمييز في اختيار بوليصة التأمين الصحي بناءً على التاريخ المرضي للمستخدم.
كما قد تستخدم هذه المعلومات للابتزاز والملاحقة كما تفعل الوحدة 8200 لجيش الاحتلال مع أبناء شعبنا. ( The Guardian, 2014) ثانياً، خصوصية الحياة الاجتماعية، والتي تشمل التفاعلات الاجتماعية كمحتويات ما نشر على منصات التواصل الاجتماعي، أو المحادثات الشخصية وتفاصيلها مثلا: مع من يتمّ التفاعل، وتوقيته، ومدته الخ… يُسهّل انتهاك هذه البيانات، كشف - أو السماح باستنتاج- أنواع أخرى من الخصوصية، على سبيل المثال، الحالة الصحية أو النفسية، أو التجمعات السياسية والآراء. ثالثاً، خصوصية السلوك والأفعال وتشمل العادات، والهوايات، وأنماط التسوق. تستغل هذه المعلومات، عادة، عند تسريبها لأغراض الدعاية الموجهة. رابعاً، خصوصية الوسائط، ويقصد بها الصور، والمقاطع المرئية أو الصوتية الخاصة بأي إنسان. يشمل هذا الدوائر التلفزيونية المغلقة وكاميرات أخرى (تم التقاطها عن قصد أو عن غير قصد) ولقطات أو وسائط تم تحميلها على الإنترنت. وتعتبر إعادة التوزيع أو إنشاء وسائط متعلقة بالمستخدم أو نشرها دون موافقة أصحابها انتهاك لخصوصية المعنيين. خامساً، خصوصية الموقع الجغرافي والتي تشمل، بالإضافة إلى الإحداثيات الجغرافية للمواقع، توقيت ومدة زيارة ذاك الموقع. قد يؤدي انتهاك هذه الخصوصية إلى كشف عناوين إقامة وعمل المستخدمين، بالإضافة إلى التعدي على أنواع الخصوصيات الأخرى مثل العادات الشرائية أو الصحية.

